فصل: (سورة لقمان: الآيات 28- 32).

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة لقمان: الآيات 28- 32].

{ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إلاَّ كَنَفْسٍ واحدَةٍ إنَّ اللَّهَ سَميعٌ بَصيرٌ (28) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولجُ اللَّيْلَ في النَّهار وَيُولجُ النَّهارَ في اللَّيْل وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْري إلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بما تَعْمَلُونَ خَبيرٌ (29) ذلكَ بأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ منْ دُونه الْباطلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَليُّ الْكَبيرُ (30) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْري في الْبَحْر بنعْمَت اللَّه ليُريَكُمْ منْ آياته إنَّ في ذلكَ لَآياتٍ لكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإذا غَشيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَل دَعَوُا اللَّهَ مُخْلصينَ لَهُ الدّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلَى الْبَرّ فَمنْهُمْ مُقْتَصدٌ وَما يَجْحَدُ بآياتنا إلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)}.

.اللغة:

{كَالظُّلَل} الظلل: جمع ظلة بضم الظاء كل ما أظلك من جبل أو سحاب أو شجر أو غيرها.
{خَتَّارٍ} مبالغة من الختر وهو أشد الغدر ومنه قولهم: انك لا تمد لنا شبرا من الغدر إلا مددنا لك باعا من ختر، قال:
وانك لو رأيت أبا عمير ** ملأت يديك من غدر وختر

وقوله ملأت يديك من غدر وختر شبه المعقول بالمحسوس على سبيل الاستعارة المكنية وملء اليدين تخييل، وروي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رأى رجلا عدّ بأصابع يده اليمنى: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم وبأصابع اليسرى: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني واجبرني فقال رسول اللّه: ملأت يديك خيرا.

.الإعراب:

{ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إلَّا كَنَفْسٍ واحدَةٍ إنَّ اللَّهَ سَميعٌ بَصيرٌ} ما نافية وخلقكم مبتدأ ولا بعثكم عطف على خلقكم وإلا أداة حصر والكاف خبر خلق أو الجار والمجرور خبر خلق ولابد من تقدير مضاف أي إلا كخلق نفس واحدة وما بعثكم إلا كبعث نفس واحدة، والكلام مستأنف مسوق للرد على المتشككين الذين قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم إن اللّه خلقنا أطوارا نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم تقول إنا نبعث خلقا جديدا جميعا في ساعة واحدة، وان واسمها وسميع خبرها الأول وبصير خبرها الثاني.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولجُ اللَّيْلَ في النَّهار وَيُولجُ النَّهارَ في اللَّيْل} الهمزة للاستفهام الانكاري التقريري ولم حرف نفي وقلب وجزم وأن وما بعدها سدت مسد مفعولي تر وأن واسمها وجملة يولج الليل في النهار خبرها وجملة يولج النهار في الليل عطف عليها.
{وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْري إلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بما تَعْمَلُونَ خَبيرٌ} الواو عاطفة وسخر عطف على يولج وستأتي علة المخالفة في الصيغة في باب البلاغة والشمس مفعول سخر والقمر عطف على الشمس وكل مبتدأ وجملة يجري خبر والى أجل متعلقان بيجري، وسيأتي سر هذا الحرف في باب البلاغة، وان واسمها وبما تعملون متعلقان بخبير وخبير خبر إن.
{ذلكَ بأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ منْ دُونه الْباطلُ} ذلك مبتدأ وخبره بأن اللّه وأن اسمها وهو ضمير فصل أو مبتدأ والحق خبر أن أو خبر هو والجملة خبر أن وأن عطف على بأن وأن واسمها وجملة يدعون صلة ما ومن دونه حال والباطل خبر أن.
{وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَليُّ الْكَبيرُ} عطف على ما تقدم.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْري في الْبَحْر بنعْمَت اللَّه} الهمزة للاستفهام الانكاري التقريري أيضا ولم حرف نفي وقلب وجزم وتر فعل مضارع مجزوم بلم وأن وما بعدها في محل نصب مفعول تر وأن واسمها وجملة تجري في البحر خبرها وبنعمة اللّه حال أي مصحوبة بنعمته.
{ليُريَكُمْ منْ آياته إنَّ في ذلكَ لَآياتٍ لكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} اللام للتعليل ويريكم فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام ومن آياته في محل نصب مفعول به ثان ليريكم وإن حرف مشبه بالفعل وفي ذلك خبر إن المقدم واللام المزحلقة وآيات اسم إن ولكل صفة لآيات وصبار مضاف لكل وشكور صفة لصبار.
{وَإذا غَشيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَل دَعَوُا اللَّهَ مُخْلصينَ لَهُ الدّينَ}.
الواو عاطفة وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة غشيهم في محل جر باضافة الظرف اليه وغشيهم فعل ماض ومفعول به وموج فاعل وكالظلل صفة لموج وجملة دعوا اللّه لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم ومخلصين حال وله متعلقان بمخلصين والدين مفعول لمخلصين لأنه اسم فاعل.
{فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلَى الْبَرّ فَمنْهُمْ مُقْتَصدٌ} الفاء عاطفة ولما حينية ظرفية أو رابطة ونجاهم فعل ماض ومفعول به وفاعل مستتر تقديره هو والى البر متعلقان بنجاهم والفاء تفريعية ومنهم خبر مقدم ومقتصد مبتدأ مؤخر أي متوسط في الكفر والظلم لأنه انزجر بعض الانزجار، وقيل المقتصد المتوسط بين السابق بالخيرات والظالم لنفسه وفي الكلام إيجاز سيأتي في باب البلاغة.
{وَما يَجْحَدُ بآياتنا إلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} الواو استئنافية وما نافية ويجحد فعل مضارع مرفوع وبآياتنا متعلقان بيجحد وإلا أداة حصر وكل فاعل وختار مضاف اليه وكفور صفة لختار.

.البلاغة:

المخالفة في الصيغة وفي حرفي الجر:
في قوله: {وسخر الشمس والقمر} مخالفة في الصيغة بين سخر المعطوف ويولج المعطوف عليه لأن إيلاج أحد الملوين في الآخر متجدد كل حين فعبر عنه بالصيغة المتجددة حينا بعد حين وأما تسخير النيرين فهو أمر لا يتجدد ولا يتعدد بل هو ديمومة متصلة متتابعة فعبر عنه بالصيغة الماضية الكائنة.
وفي قوله: إلى أجل غير مسمى مخالفة بين حرف الجر إلى المستعمل هنا وحرف الجر اللام المستعمل في مكان آخر فليس هو من تعاقب الحرفين فالأول للانتهاء والثاني للاختصاص وكل واحد منهما واقع موقعه ملائم لصحة الغرض الذي هدف اليه، لأن قولك يجري إلى أجل مسمى معناه يبلغه وينتهي إليه وقولك يجري لأجل مسمى معناه يجري لإدراك أجل مسمى، فما ينتهي هنا غاية ما ينتهي اليه الخلق فناسب ذكر إلى، وما في فاطر والزمر ليس من هذا الوادي فناسب ذكر اللام وهذا من الدقائق البديعة فتأمل.

.[سورة لقمان: الآيات 33- 34].

{يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزي والدٌ عَنْ وَلَده وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والده شَيْئًا إنَّ وَعْدَ اللَّه حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ باللَّه الْغَرُورُ (33) إنَّ اللَّهَ عنْدَهُ علْمُ السَّاعَة وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما في الْأَرْحام وَما تَدْري نَفْسٌ ما ذا تَكْسبُ غَدًا وَما تَدْري نَفْسٌ بأَيّ أَرْضٍ تَمُوتُ إنَّ اللَّهَ عَليمٌ خَبيرٌ (34)}.

.الإعراب:

{يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزي والدٌ عَنْ وَلَده} اتقوا ربكم فعل أمر وفاعل ومفعول به واخشوا عطف على اتقوا ويوما مفعول به وجملة لا يجزي والد عن ولده صفة ليوما.
{وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والده شَيْئًا إنَّ وَعْدَ اللَّه حَقٌّ} ولا مولود عطف على والد وهو مبتدأ وجاز خبر وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين والجملة صفة ليوما وشيئا مفعول جاز أو يجزي فالمسألة من باب التنازع و{إن وعد اللّه حق} إن واسمها وخبرها.
{فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ باللَّه الْغَرُورُ} الفاء الفصيحة ولا ناهية وتغرنكم فعل مضارع مبني على الفتح في محل جزم بلا الناهية والحياة فاعل تغرنكم والكاف مفعوله والدنيا صفة للحياة ولا يغرنكم باللّه الغرور عطف على ما تقدم مماثل له في إعرابه والغرور بفتح الغين كل ما يسبب الانخداع والافتتان.
{إنَّ اللَّهَ عنْدَهُ علْمُ السَّاعَة وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما في الْأَرْحام} كلام مستأنف مسوق لتقرير تفرد اللّه بالاحاطة بالمغيبات، وسبب نزولها أن الحارث بن عمرو بن حارثة أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه أخبرني عن الساعة متى قيامها وإني قد ألقيت حياتي في الأرض وقد أبطأت عنا السماء فمتى تمطر؟ وأخبرني عن امرأتي فقد اشتملت ما في بطنها أذكر أم أنثى؟
وإني علمت ما علمت أمس فما أعمل غدا؟ وهذا مولدي قد عرفته فأين أموت؟.
وان واسمها وعنده ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم وعلم الساعة مبتدأ مؤخر والجملة خبر إن وينزل الغيث عطف على عنده علم الساعة فهو بمثابة خبر ثان ويعلم ما في الأرحام عطف أيضا.
{وَما تَدْري نَفْسٌ ما ذا تَكْسبُ غَدًا} الواو حرف عطف وما نافية وتدري فعل مضارع ونفس فاعله وماذا اسم استفهام مركب في محل نصب مفعول مقدم لتكسب وجملة تكسب سادة مسد مفعولي تدري المعلقة بالاستفهام وغدا ظرف متعلق بتكسب ويجوز أن تكون ما مبتدأ وذا اسم موصول في محل رفع خبر، وقد تقدم القول في ماذا.
{وَما تَدْري نَفْسٌ بأَيّ أَرْضٍ تَمُوتُ إنَّ اللَّهَ عَليمٌ خَبيرٌ} الواو حرف عطف وما نافية وتدري فعل مضارع مرفوع ونفس فاعل وبأي أرض متعلق بتموت وهو معلق للدراية فالجملة في محل نصب والباء ظرفية بمعنى في أي في أي أرض وان واسمها وخبرها.

.البلاغة:

للضمائر شأن كبير في الفصاحة والبلاغة ولها تأثير في قوة الكلام وضعفه، أو توكيده وعدم توكيده، ومن ذلك قوله: {ولا مولود هو جاز عن والده شيئا} فقد ورد الضمير بعد مولود ولم يرد بعد والد في قوله لا يجزي والد عن ولده شيئا وذلك لسر يتجاوز الاعراب، وقد أجاب الامام الزمخشري بجواب في غاية الدقة ولكنه أغفل أمرا هاما يرد عليه، وفيما يلي نص قوله:
فإن قلت: قوله: {ولا مولود هو جاز عن والده شيئا} وارد على طريق من التوكيد لم يرد عليه ما هو معطوف عليه؟ قلت الأمر كذلك لأن الجملة الاسمية آكد من الفعلية وقد انضم إلى ذلك قوله هو وقوله مولود والسبب في مجيئه على هذا السنن أن الخطاب للمؤمنين وعليتهم قبض آباؤهم على الكفر وعلى الدين الجاهلي فأريد حسم أطماعهم وأطماع الناس فيهم أن ينفعوا آباءهم في الآخرة وأن يشفعوا لهم وأن يغنوا عنهم من اللّه شيئا فلذلك جيء به على الطريق الآكد وواضح من هذا التعليل الجميل أنه يتمشى على الموجودين في زمن النبي صلى اللّه عليه وسلم أو أنه خاص بهم والصحيح أنه عام لهم ولكل من ينطبق عليهم اسم الناس فالأولى أن يقال في جواب السؤال أن اللّه تعالى لما أكد الوصية على الآباء وقرن شكرهم بوجوب شكره عز وجل وأوجب على الولد أن يكفي والده ما يسوءه بحسب نهاية إمكانه وغاية طوقه قطع هنا وهم الوالد في أن يكون الولد في القيامة مظنة لأنه يجزيه حقه عليه ويكفيه ما يلقاه من أهوال القيامة كما أوجب اللّه عليه في الدنيا ذلك في حقه، ولما كان إجزاء الولد عن الوالد ظنة الوقوع وموطن الأمل لأن اللّه حضه عليه في الدنيا كان جديرا بتأكيد النفي لإزالة هذا الوهم وهذا غير وارد في حق الولد على الوالد وهذا من الحسن بمكان فتأمله. اهـ.